خطبة أمیر المؤمنین فی وصف الله
خطبة أمیر المؤمنین فی وصف الله تعالى فی جواب ذعلب
روى الشیخ الصدوق بسند متّصل عن عبد الله بن یونس، عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّه قال:
بَیْنَا أمیر المؤمنین عَلَیْهِ السَّلَامُ یَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الکُوفَةِ، إذْ قَامَ إلیه رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ: ذِعْلَبٌ، ذَرِبُ اللِسَانِ بَلِیغٌ فی الخِطَابِ شُجَاعُ القَلْبِ، فَقَالَ: یَا أمیر المؤمنین! هَلْ رَأیْتَ رَبَّکَ؟!
فَقَالَ: وَیْلَکَ یَا ذِعْلَبُ! مَا کُنْتُ أعْبُدُ رَبَّاً لَمْ أرَهُ!
قَالَ: یَا أمیِرَالمُؤْمِنِینَ! کَیْفَ رَأیْتَهُ؟!
قَالَ: وَیْلَکَ یَا ذِعْلَبُ! لَمْ تَرَهُ العُیُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ، وَلَکِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإیمَانِ. وَیْلَکَ یَا ذِعْلِبُ! أنَّ رَبِّی لَطِیفُ اللَطَافَةِ فَلَا یُوصَفُ بِاللُطْفِ، عَظِیمُ العَظَمَةِ لَا یُوصَفُ بِالعِظَمِ، کَبِیرُ الکِبْرِیَاءِ لَا یُوصَفُ بِالکِبَرِ، جَلِیلُ الجَلَالَةِ لَا یُوصَفُ بِالغِلَظِ.
قَبْلَ کُلِّ شَیءٍ فَلَا یُقَالُ: شَیءٌ قَبْلَهُ؛ وَ بَعْدَ کُلِّ شَیءٍ فَلَا یُقَالُ: شَیءٌ بَعْدَهُ. شَائِی الأشْیَاءِ لَا بِهِمَّةٍ، دَرَّاکٌ لَا بِخَدِیعَةٍ. هُوَ فی الأشْیَاءِ کُلِّهَا غَیْرُ مُتَمَازِجٍ بِهَا وَ لَا بَائِنٍ عَنْهَا. ظَاهِرٌ لَا بِتَأوِیلِ المُبَاشَرَةِ، مُتَجَلٍّ لَا بِاسْتِهْلَالِ رُؤْیَةٍ، بَائِنٌ لَا بِمَسَافَةٍ، قَرِیبٌ لَا بِمُدَانَاةٍ، لَطِیفٌ لَا بِتَجَسُّمٍ، مَوْجُودٌ لَا بَعْدَ عَدَمٍ، فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَارٍ، مُقَدِّرٌ لَا بِحَرَکَةٍ، مُرِیدٌ لَا بِهَمَامَةٍ، سَمِیعٌ لَا بِآلَةٍ، بَصِیرٌ لَا بِأدَاةٍ.
لَا تَحْوِیهِ الأمَاکِنُ، وَ لَا تَصْحَبُهُ الأوْقَاتُ، وَ لَا تَحُدُّهُ الصِّفَاتُ، وَ لَا تَأخُذُهُ السِّنَاتُ. سَبَقَ الأوْقَاتَ کَوْنُهُ، وَ العَدَمَ وُجُودُهُ، وَ الابْتِدَاءَ أزَلُهُ.
بِتَشْعِیرِهِ المَشَاعِرَ عُرِفَ أن لَا مَشْعَرَ لَهُ، وَ بِتَجْهِیرِهِ الجَوَاهِرَ عُرِفَ أن لَا جَوْهَرَ لَهُ، وَ بِمُضَادَّتِهِ بَیْنَ الأشْیَاءِ عُرِفَ أن لَا ضِدَّ لَهُ، وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَیْنَ الأشْیَاءِ عُرِفَ أن لَا قَرِینَ لَهُ.
ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ، وَ الجَسْوَ بِالبَلَلِ، وَ الصَّرْدَ بِالحَرُورِ.
مُؤَلِّفٌ بَیْنَ مُتَعَادِیَاتِهَا، مُفَرِّقٌ بَیْنَ مُتَدَانِیَاتِهَا، دَالَّةً بِتَفْرِیقِهَا عَلَى مُفَرِّقِهَا، وَ بِتَألِیفِهَا عَلَى مُؤَلِّفِهَا؛ وَ ذَلِکَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ مِن کُلِّ شَیْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ».
فَفَرَّقَ بِهَا بَیْنَ قَبْلٍ وَ بَعْدٍ؛ لِیُعْلَمَ أن لَا قَبْلَ لَهُ وَ لَا بَعْدَ، شَاهِدَةً بِغَرَائِزِهَا عَلَى أن لَا غَرِیزَةَ لِمُغَرِّزِهَا، مُخْبِرَةً بِتَوْقِیتِهَا أن لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا.
حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ؛ لِیُعْلَمَ أن لَا حِجَابَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ غَیْرُ خَلْقِهِ.
کَانَ رَبَّاً إذْ لَا مَرْبُوبٌ، وَ إلَهاً إذْ لَا مَألُوهٌ، وَ عَالِماً إذْ لَا مَعْلُومٌ، وَ سَمِیعاً إذْ لَا مَسْمُوعٌ.
ثُّمَّ أنْشَأ یَقُولُ:
وَ لَمْ یَزَلْ سَیِّدِی بِالحَمْدِ مَعْرُوفَا وَ لَمْ یَزَلْ سَیِّدِی بِالجُودِ مَوْصُوفَا
وَ کُنْتَ إذْ لَیْسَ نُورٌ یُسْتَضَاءُ بِهِ وَ لَا ظَلَامٌعلى الآفَاقِ مَعْکُوفَا
وَ رَبُّنَا بِخِلَافِ الخَلْقِ کُلِّهِمُ وَ کُلِّ مَا کَانَ فی الأوْهَامِ مَوْصُوفَا
فَمَنْ یُرِدْهُ عَلَى التَّشْبِیهِ مُمْتَثِلًا یَرْجِعْ أخَا حَصَرٍ بِالعَجْزِ مَکْتُوفَا
وَ فی المَعَارِجِ یَلْقَی مَوْجُ قُدْرَتِهِ مَوْجاً یُعَارِضُ طَرْفَ الرُّوحِ مَکْفُوفَا
فَاتْرُکْ أخَا جَدَلٍ فی الدِّینِ مُنْعَمِقاً قَدْ بَاشَرَ الشَّکُّ فِیهِ الرَّأیَ مَأوُوفَا
وَ اصْحَبْ أخَا ثِقَةٍ حُبَّاً لِسَیِّدِهِ وَ بِالکَرَامَاتِ مِنْ مَوْلَاهُ مَحْفُوفَا
أمْسَى دَلِیلَ الهدى فی الأرْضِ مُنْتَشِراً وَ فی السَّمَاءِ جَمِیلَ الحَالِ مَعْرُوفَا
قَالَ: فَخَرَّ ذِعْلَبٌ مَغْشِیَّاً عَلَیْهِ ثُمَّ أفَاقَ، وَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا الکَلَامِ، وَ لَا أعُودُ إلى شَیءٍ مِنْ ذَلِکَ.
منبع: الله شناسى، ج2 ص 124-127